الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
فقال: والله لو ألحقنى بعبد أسود للحقت به.وروى الترمذيّ والدَّارَقُطْنِيّ عن عليّ رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] قالوا: يا رسول الله أفي كلّ عام؟ فسكت، فقالوا: أفي كلّ عام؟ قال: «لا ولو قلتُ نعم لَوَجَبَت» فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} إلى آخر الآية.واللفظ للدَّارَقُطْنِيّ سِئل البخاريّ عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن إلاَّ أنه مُرسَل؛ أبو البَخْتَرِيّ لم يُدرك عليًا، واسمه سعيد.وأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أيضًا عن أبي عِياض عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأيها الناس كتب عليكم الحج» فقام رجل فقال: في كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، ثم عاد فقال: في كل عام يا رسول الله؟ فقال: «ومن القائل» قالوا: فلان؛ قال: «والذي نفسي بيده لو قلت نَعَم لَوَجَبت ولو وَجَبت ما أطقتموها ولو لم تُطيقوها لكفَرتم» فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية وقال الحسن البصري في هذه الآية: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور الجاهلية التي عفا الله عنها، ولا وجه للسؤال عما عفا الله عنه.ورَوى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البَحِيرة والسَّائبة والوَصِيلة والحَام؛ وهو قول سعيد بن جُبَير؛ وقال: ألا ترى أن بعده {مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} [المائدة: 103] قلت: وفي الصحيح والمسند كفاية.ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابًا للجميع، فيكون السؤال قريبًا بعضه من بعض.والله أعلم.و{أشياء} وزنه أفعال؛ ولم يصرف لأنه مشبه بحمراء؛ قاله الكسائي.وقيل: وزنه أَفْعلاء؛ كقولك: هَيْن وأَهْوِناء؛ عن الفرّاء والأخفش ويُصغّر فيقال: أُشَيَّاء؛ قال المازِني: يجب أن يُصغَر شُيَيْآت كما يصغر أصدقاء؛ في المؤنث صُدَيْقات وفي المذكر صُدَيْقون.الثانية قال ابن عون: سألت نافعًا عن قوله تعالى: {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} فقال: لم تزل المسائل منذ قطّ تكره.روى مسلم عن المغيرة بن شُعْبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله حرّم عليكم عُقوق الأمهات وَوَأْد البنات وَمَنْعًا وهات وكرِه لكم ثلاثًا قِيلَ وقالَ وكثرةَ السّؤالِ وإضاعة المالِ» قال كثير من العلماء: المراد بقوله: «وكثرة السؤال» التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تَنطُّعًا، وتكلفًا فيما لم ينزل، والأغلوطات وتشقيق المولدات، وقد كان السّلف يكرهون ذلك ويرونه من التكليف ويقولون؛ إذا نزلت النازلة وُفِّق المسؤولُ لها.قال مالك: أدركت أهل هذا البلد وما عندهم علم غير الكتاب والسنة، فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه، وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم.وقيل المُرَاد بكثرة المسائل كثرة سؤال الناس الأموال والحوائج إلحاحًا واستكثارًا؛ وقاله أيضًا مالك.وقيل: المراد بكثرة المسائل السؤال عما لا يعني من أحوال الناس بحيث يؤدّي ذلك إلى كشف عوراتهم والاطلاع على مساوئهم.وهذا مثل قوله تعالى: {وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات: 12] قال ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد: ولذلك قال بعض أصحابنا متى قُدِّم إليه طعام لم يسأل عنه من أين هذا أو عُرض عليه شيء يشتريه لم يسأل من أين هو، وحَمَل أمور المسلمين على السلامة والصحة.قلت: والوجه حمل الحديث على عمومه فيتناول جميع تلك الوجوه كلها.والله أعلم.الثالثة قال ابن العربي: اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع تعلقًا بهذه الآية وليس كذلك؛ لأن هذه الآية مصرّحة بأن السؤال المنهي عنه إنما كان فيما تقع المسَاءةُ في جوابه، ولا مَسَاءَة في جواب نوازل الوقت فافترقا.قلت: قوله اعتقد قوم من الغافلين فيه قبح، وإنما كان الأولى به أن يقول: ذهب قوم إلى تحريم أسئلة النوازل، لكنه جرى على عادته، وإنما قلنا كان أولى به؛ لأنه قد كان قوم من السلف يكرهها.وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن؛ ذكره الدَّارِمي في مسنده؛ وذكر عن الزهري قال: بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصاري كان يقول إذا سئل عن الأمر: أكان هذا؟ فإن قالوا: نعم قد كان حدّث فيه بالذي يَعلم، وإن قالوا: لم يكن قال فذروه حتى يكون.وأسند عن عَمَار بن يَاسِر وقد سئل عن مسئلة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا؛ قال: دعونا حتى يكون، فإذا كان تجشَّمناها لكم.قال الدَّارِمي: حدّثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، قال حدثنا ابن فُضَيل عن عطاء عن ابن عباس قال: ما رأيت قومًا كانوا خيرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسئلة حتى قُبض، كلهن في القرآن؛ منهن {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشهر الحرام} [البقرة: 217]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض} [البقرة: 222] وشبهه ما كانوا يسألون إلا عمّا ينفعهم.الرابعة قال ابن عبد البر: السؤال اليوم لا يُخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله، فمن سأل مستفهمًا راغبًا في العلم ونَفى الجهل عن نفسه، باحثًا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به، فشفاء العِي السؤال؛ ومن سأل متعنتًا غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره؛ قال ابن العربي: الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة، وإيضاح سُبُل النظر، وتحصيل مقدّمات الاجتهاد، وإعداد الآلة المعينة على الاستمداد؛ فإذا عرضت نازلة أُتيت من بابها، ونُشدت في مظانها، والله يفتح في صوابها.الخامسة قوله تعالى: {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ} فيه غموض، وذلك أن في أوّل الآية النهي عن السؤال، ثم قال: {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ القرآن تُبْدَ لَكُمْ} فأباحه لهم؛ فقيل: المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه، فحذف المضاف، ولا يصح حمله على غير الحذف.قال الجُرْجاني: الكناية في «عنها» ترجع إلى أشياء أخر؛ كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ} يعني آدم، ثم قال: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} [المؤمنون: 13] أي ابن آدم؛ لأن آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين، لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دلّ على إنسان مثله، وعُرف ذلك بقرينة الحال؛ فالمعنى وإن تسألوا عن أشياء حين يُنزَّل القرآن من تحليل أو تحريم أو حُكْم، أو مسّت حاجتكم إلى التفسير، فإذا سألتم فحينئذٍ تُبد لكم؛ فقد أباح هذا النوع من السؤال: ومثاله أنه بيّن عِدّة المطلقة والمتوفى عنها زوجها والحامل، ولم يجر ذكر عِدّةِ التي ليست بذات قُرء ولا حامل، فسألوا عنها فنزل {واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض} [الطلاق: 4].فالنهي إذا في شيء لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه؛ فأما ما مسّت الحاجة إليه فلا.السادسة قوله تعالى: {عَفَا الله عَنْهَا} أي عن المسئلة التي سلفت منهم.وقيل: عن الأشياء التي سألوا عنها من أمور الجاهلية وما جرى مجراها.وقيل: العفو بمعنى الترك؛ أي تركها ولم يُعرف بها في حلال ولا حرام فهو معفو عنها فلا تبحثوا عنه فلعله إن ظهر لكم حكمه ساءكم.وكان عُبيد بن عُمير يقول: إن الله أحل وحرّم فما أحلّ فاستحلوه، وما حرّم فاجتنبوه، وترك بين ذلك أشياء لم يحلّلها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله، ثم يتلو هذه الآية.وخرّج الدَّارقُطْني عن أبي ثَعْلبة الخُشَني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تُضيعوها وحَرّم حُرُمات فلا تَنتهكوها وحَدّد حدودًا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها» والكلام على هذا التقدير فيه تقديم وتأخير؛ أي لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تبد لكم تسؤكم، أي أمسك عن ذكرها فلم يوجب فيها حُكمًا.وقيل: ليس فيه تقديم ولا تأخير؛ بل المعنى قد عفا الله عن مسألتكم التي سلفت، وإن كرهها النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تعودوا لأمثالها.فقوله: {عنها} أي عن المسألة، أو عن السؤالات كما ذكرناه.السابعة قوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ} أخبر تعالى أن قومًا من قبلنا قد سألوا آياتٍ مثلها، فلما أعطوها وفرضت عليهم كفروا بها، وقالوا: ليست من عند الله؛ وذلك كسؤال قوم صالح الناقة، وأصحاب عيسى المائدة؛ وهذا تحذير ممّا وقع فيه من سبق من الأمم. والله أعلم.الثامنة إن قال قائل: ما ذكرتم من كراهية السّؤال والنّهي عنه، يعارضه قوله تعالى: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43 والأنبياء: 7] فالجواب؛ أن هذا الذي أمر الله به عباده هو ما تقرّر وثبت وجوبه مما يجب عليهم العمل به، والذي جاء فيه النهي هو ما لم يتعبد الله عباده به؛ ولم يذكره في كتابه.والله أعلم.التاسعة روى مسلم عن عامر بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أعظم المسلمين في المسلمين جُرمًا من سأل عن شيء لم يُحرَّم على المسلمين فحُرم عليهم من أجل مسئلته»، قال القُشَيْري أبو نصر: ولو لم يسأل العَجْلاني عن الزِّنى لما ثبت اللِّعَان.قال أبو الفرج الجَوْزي: هذا محمول على من سأل عن الشيء عَنَتًا وعَبثًا فعوقب بسوء قصده بتحريم ما سأل عنه؛ والتحريم يَعمّ.العاشرة قال علماؤنا: لا تعلق للقَدَرية بهذا الحديث في أن الله تعالى يفعل شيئًا من أجل شيء وبسببه، تعالى الله عن ذلك؛ فإنّ الله على كل شيء قدير، وهو بكل شيء عليم؛ بل السبب والداعي فعل من أفعاله، لكن سبق القضاء والقدر أن يحرم الشيء المسئول عنه إذا وقع السؤال فيه؛ لا أن السؤال موجب للتحريم، وعلّة له.ومثله كثير {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]. اهـ.
.من فوائد أبي السعود في الآية: قال عليه الرحمة:{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء}.هو اسمُ جمعٍ على رأي الخليل وسيبويه وجمهور البصريين، كطرفاء وقصباء أصله شياء بهمزتين بينهما ألف، فقُلبت الكلمة بتقديم لامها على فائها فصار وزنها لفعاء، ومُنعت الصرفَ لألف التأنيث الممدودة، وقيل: هو جمع شيْء على أنه مخفف من شيِّيء كهَيْنٍ مخففٌ من هيِّن، والأصل أشْيِئاء كأهوناء بزنة أفعِلاء، فاجتمعت همزتان لام الكلمة والتي للتأنيث، إذ الألف كالهمزة فخففت الكلمة بأن قلبت الهمزة الأولى ياء لانكسار ما قبلها فصارت أشياء وزنها أفلاء، ونعت الصرف لألف التأنيث، وقيل: إنما حذفت من أشيِياءَ الياءُ المنقلبةُ من الهمزة التي هي لام الكلمة وفُتحت الياء المكسورة لتسلم ألف الجمع فوزنها أفعاء، وقوله تعالى: {إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} صفةٌ لأشياء داعيةٌ إلى الانتهاء عن السؤال عنها، وحيث كانت المَساءةُ في هذه الشرطية معلقةً بإبدائها لا بالسؤال عنها عُقّبت بشرطية أخرى ناطقةٍ باستلزام السؤال عنها لإبدائها الموجِبِ للمحذور قطعًا، فقيل: {وإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ ينزلُ القُرْآن تُبْدَ لَكُم} أي تلك الأشياء الموجِبة للمَساءة بالوحي كما ينبىء عنه تقييدُ السؤال بحينِ التنزيل، والمراد بها ما يشُق عليهم ويغمُهم من التكاليف الصعبة التي لا يطيقونها، والأسرارِ الخفية التي يفتضحون بظهورها، ونحوُ ذلك مما لا خير فيه، فكما أن السؤال عن الأمور الواقعة مستَتْبِعٌ لإبدائها كذلك السؤالُ عن تلك التكاليف مستتبعٌ لإيجابها عليهم بطريق التشديد لإساءتهم الأدب، واجترائِهم على المسألة والمراجعة، وتجاوزِهم عما يليق بشأنهم من الاستسلام لأمر الله عز وجل من غير بحث فيه ولا تعرّضٍ لكيفيته وكمِّيته، أي لا تُكثروا مُساءلةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عما لا يَعْنيكم من نحو تكاليفَ شاقةٍ عليكم إن أفتاكم بها وكلفكم إياها حسبما أُوحيَ إليه لم تطيقوها، ونحوِ بعضِ أمورٍ مستورة تكرهون بُروزَها، وذلك مِثلُ ما رُوي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحمِد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: «إن الله تعالى كتَب عليكم الحجَّ» فقام رجل من بني أسدٍ يقال لهُ: عُكاشةُ بنِ مِحْصَنٍ، وقيل: سُراقة بنُ مالك، فقال: أفي كل عامٍ يا رسول الله؟ فأعرضَ عنه حتى أعاد مسألتَه ثلاثَ مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك وما يُؤْمِنُك أن أقول نعم؟ والله لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبتْ ما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم، فاترُكوني ما تركتكم. فإنما هلَك من كان قبلَكم بكثرة سؤالِهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا أمرتُكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبوه» ومِثلُ ما رُوي عن أنسٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما، أنه سأل الناسُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياءَ حتى أحفَوْه في المسألة، فقام عليه الصلاة والسلام مغْضَبًا خطيبًا فحمِد الله تعالى وأثنى عليه وقال: «سلوني فوالله ما تسألوني عن شيءٍ ما دُمْت في مقامي هذا إلا بيّنتُه لكم» فأشفق أصحابُ النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون بين يَدَيْ أمرٍ قد حضَر، قال أنسٌ رضي الله عنه: فجعلتُ ألتفتُ يمينًا وشِمالًا فلا أجدُ رجلًا إلا وهو لافٌّ رأسَه في ثوبه يبكي، فقام رجل من قريشٍ من بني سَهْمٍ يقال له: عبدُ اللَّه بنُ حُذافة، وكان إذا لاحى الرجال يدعى إلى غير أبيه وقال: يا نبي الله، مَنْ أبي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «أبوك حذافةُ بنُ قيسٍ الزهري»، وقام آخرُ وقال: أين أبي؟ قال عليه الصلاة والسلام: «في النار»، ثم قام عمر رضي الله عنه فقال: رضِينا بالله تعالى ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ رسولًا نبيًا، نعوذ بالله تعالى من الفتن، إنا حديثو عهدٍ بجاهلية وشِرْكٍ فاعفُ عنا يا رسول الله، فسكن غضبُه عليه الصلاة والسلام.
|